ظاهرة التدخين
هى الظاهرة الأكثر انتشاراً من الظواهر الأخرى فحينما قلبت عينى فى هذا المجتمــع وجدتُ هذه العادة الذميمة متفشية فى ربوع المجتمع على اختلاف المستويـــــــــــات وتعدى بهم الأمر أن جعلوا التدخين واجباً يقدم للضيوف سواء كان الضيف مهنئــــــاً فى أى مناسبة سعيدة كعرس أو قدوم من سفر أو قدوم من جهاد.
صاحب البيت يضرب ولده ويأمره بأن يشعل النار فى الخشب لأجل شرب الدخــــــان ويا حبذا لو كان الليل مظلماً لا قـمـر فى الـسـماء ولا نـور ولا كـهرباء تراه يمــــــشى يعسعس حتى يصل إلى الدكان لإحضار الدخان وإن لم يجد لم يهدأ له بال ولا يأتيــــه نوم لأنه لم ينفذ وصية أبيه إبليس.
وإذا كانت المناسبة فيها حزن كموت أو مصيبة وجدت صاحب البلاء يقدم السيـجـــارة للزائرين أو المعزيين كواجب.
ويقول الشاعر " زكى قنصل " فى شأن السيجارة:
يا ابنة الصينِ أهلك الناسَ أهلوك فهلا رحمت ضعف البــــــــــرايا؟
وضرٌ أنتِ للــقـلوبِ ولـلأيــــدى وسـلـوى تـخـفـى جـذور الـمــنايا
يتهاداكِ فى الـمـجـالـس قـــومُ كـيف تـسـتحـسـن الأفاعى هدايا؟
نـمـت الـنـار فى شـفـاهـكِ عما خـلـفـهـا مـن مـقـاصـد ونــــــوايا
فـاتـقِ الله وارفـقى بـقـلــــوب هى فى مـلـكـك الـعـريض رعــايا ()
وأصبحت هذه العادة القبيحة أكثر وجوداً فى بدعة المآتم وكتاب الله يتلى وكأن صاحب الـبلاء يقـول أنـــــا صـابر على قضاء الله وعلامة صبرى أننى لا أبكى ولكنى أوزع على النـــــــاس واجب العزاء إنه لأمرٌ عجيب مخزى.
وهكذا دائما وأبداً أحوال إبليس وأعوانه من الإنس تُخزى وتُذل.
إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ()
وهناك فئة جعلت الدخان حضارة ومدنية حديثة وتراها إذا رأت رجلاً لا يدخــــــــن أشارت إليه بأصابعهم أنه متخلف ورجعى وهذا فى الوسط الراقى.
وهناك فئة يفضلون السيجارة على رغيف الخبز وكل هذه الأحوال غريبة وعجيبــــة.
قال الشاعر " زكى قُنصل " :
ويح عشاقكِ المســـاكين .... إنى لست أرثى إلا لهذى الضـحـايا
ربع قرنٍ مضى، وما زلت أشكوا فى ضلوعى مما نفثت بــــقـايا
ولعى فيكِ صار كــــرهاً وبغضاً سامحينى لقد نبشت الخبــايـا
حزَّ فى النفسِ أن أعــــقكِ لكن هل أصافى التى تسم دمايـــــا؟
يا ابنةَ الصينِ قد بُلوتــُكِ دهراً فاذهبى فاذهبى واغرى سوايــا ()
وهناك فئة من الناس خالفوا هواهم وحاربوا الشيطان ورفضوا هذه الظاهرة رفضاً كلياً وهجروا أهلها وهؤلاء هيأ الله لهم الخير والعافية وكأنى بهؤلاء وهم يقولون للسيجارة ما قاله " زكى قُنصل " فى قصيدته السابقة
اذهبى اذهبى واغــرى سوايا ليس صدرى مـضافـةً للبغـايــا
هو للحب هيكل فتـــوقى أن تـظـنـيـه مـسـرحاً للدنـايــــا
نفثةٌ منك فى الضلـــوع بلاء كيف لا ينبت البلاء بلايــــــا